كما كان عهد قائدنا ووالدنا وحكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عهد التأسيس، فإن عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، هو عهد التمكين بامتياز. هكذا تعارفنا وتعاهدنا في الإمارات، وفي الواقع، فإن التأكيد على التمكين بهذا المعنى تحقق عبر الخطاب الاستثنائي لرئيس الدولة في اليوم الوطني (2005) وهو الذي عد بعد ذلك وثيقة تاريخية تضمنت نهج الشيخ خليفة الذي تحول خطة عمل للحكومة بعد أن تبنى مفرداته وأهدافه المجلس الأعلى للاتحاد، وفي الخطاب نواح تنموية شاملة، وحث على أمور معنوية أو أقرب إلى «المعنوي» كالحث على حماية البيئة أو العمل التطوعي، لكن الركيزة الأساسية لخطاب الشيخ خليفة في اليوم الوطني (2005)، والذي عاد مؤكداً ومشدداً على معانيه في خطاب اليوم الوطني (2007)، اتصلت باستحقاق انتخابات المجلس الوطني الاتحادي نحو تمكين مواطن الإمارات عبر مشاركة سياسية في المسار المتدرج، ومنذ إطلاق الفكرة حتى الآن والتمكين بكل المعاني، خصوصاً المعنى المرتبط بالانتخابات والمشاركة السياسية، مطروح بشكل من الأشكال، على صعد متعددة، والأمل أن يعتمد المصطلح ليكون هاجسنا اليومي والاستراتيجي، وأن يكون في واجهة الأجندة الوطنية والأولويات.
تمكين خليفة بن زايد إنما مهد له تأسيس زايد بن سلطان. هذه حقيقة أولى ومبدأ أول، ففي دستور دولة الإمارات الذي هو دستور متقدم وقد سبق عصره بحق، يأتي المجلس الوطني الاتحادي باعتباره السلطة الاتحادية الرابعة، وذلك بعد المجلس الأعلى للاتحاد، ورئيس الدولة ونائبه، ومجلس الوزراء الاتحادي، علما بأن السلطة الخامسة، وفق الدستور، تتمثل في القضاء الاتحادي الذي ظل شاهقاً، وكان، طيلة العقود الماضية، كالدستور تماماً، صمام الأمان.
ما معنى أن يقرر الآباء المؤسسون وعلى رأسهم زايد الخير، طيب الله ثراه، أن المجلس الوطني الاتحادي هو السلطة الرابعة في البلاد؟ إنما هي الدعوة المبكرة إلى إشراك شعب الإمارات الذي هو كما في وصف الشيخ زايد في تسجيل مرئي، شعب الإمارات العزيز الكريم، في وضع التشريعات والإسهام في إدارة شؤون البلاد.
وقد حقق المجلس الوطني شيئاً من ذلك، وكان مدرسة خرجت عدداً من الوزراء ورؤساء الدوائر والمسؤولين، والمطلوب أن يمارس دوره كاملاً بإيجابية كاملة، وأن يقول رأيه في القضايا المعروضة بكل صراحة وشفافية، وهذا المطلب ردده كثيراً الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والشيخ خليفة، حفظه الله.
إنما يتحقق ما في الورق بالممارسة والتطبيق والإحياء والتفعيل، وسقف المجلس الوطني ليس منخفضاً بالقدر الذي يروجه البعض، وهو إلى ارتفاع أكيد في السنوات المقبلة كما في رؤية المسار المتدرج، لكن هذا أحوج ما يكون إلى إسهام الأعضاء إيجابياً بلا حدود، انطلاقاً من أن العمل البرلماني الذي يجسد تمثيل الشعب لا يحتمل شيئين: أنصاف الحلول ومسك العصا من الوسط.
العطاء داخل المجلس وخارجه إلى أبعد الآماد، والتقدم دائما إلى الأمام من دون أي تراجع أو نكوص، والبناء على البناء من دون قطيعة مع ما مضى، والعمل الجماعي المؤسسي داخل المجلس بعيداً عن تكتلات رأيناها بأم أعيننا في أزمنة متفرقة، وبعيداً عن شعور البعض بأن السقف “لا يسمح”.
السقف يسمح بالكثير على عكس ما يروج البعض، وللمجلس الوطني وعطاء أعضائه الوقت كله، ويجب أن يستغل وقت المجلس كله لخدمة الوطن والمواطنين. من هنا لا بد من إثبات حقيقة تقول إن زمناً طويلاً من زمن المجلس الاتحادي ضاع أو أهدر نتيجة فترات انقطاع، أو نتيجة طول الإجازة الصيفية قبل التعديل الدستوري، أو نتيجة الاجتماع يوماً واحداً لا يومين متتاليين إلا إذا دعت حاجة ماسة، ونتيجة تكرار كثير في أطروحات الأعضاء في خلال المناقشات.
ويتحقق التمكين بمزيد من معرفة الشأنين المحلي والدولي، وبالعمل الدؤوب على مراجعة القوانين والتشريعات والأنظمة كل حين، بما في ذلك التنسيق مع الجهات العليا والتنفيذية بشأن بعض التعديلات الدستورية التي ينتظرها مجتمعنا منذ زمن، ومن ذلك تعديل المادة التي تنص على أن عدد أعضاء المجلس الوطني أربعون عضواً، حيث لا يتصور أو يستقيم ان يكون هذا عدد الأعضاء في العام 1972 ويبقى العدد نفسه في العام 2015 بعد زيادة المواطنين أضعافا مضاعفة، وعودة البعثات الدراسية عبر زمن الإمارات، وتطور المؤسسات ضمن أداء حكومي لافت على مستوى العالم وليس الإقليم فقط فهل يعمل مجلس 2015، بالتعاون مع المرجعيات العليا والتنفيذية، على تعديلات دستورية تناسب طموح دولة الإمارات ومستقبلها الكبير؟
قوائم انتخابية
هذه القوائم، من حيث الاختيار وتمثيل الفئات، مسألة أساسية، ويبدو، إلى حد بعيد، أن قوائم هذا العام، خلت أو كادت من أخطاء التجربتين السابقتين اللتين احتوتا حتى على أسماء بعض المتوفين، وربما عاد تلافي تلك الأخطاء إلى الاعتماد على هيئة الإمارات للهوية ونظام التسجيل السكاني، فلهيئة الهوية كل الشكر والتقدير، وتبقى ضرورة التنبيه إلى ضرورة قراءة التجربة، لهذه الجهة، بعد استخلاص أرقام المشاركة، حيث تكررت أسماء لم تشارك ترشيحا أو تصويتا في المرتين السابقتين وربما في هذه المرة، فيما لم ترد أسماء أبدا كان يمكن أن تشارك. إنها الدعوة إلى اعتبار تجربة الانتخابات واحدة، بعضها يكمل بعضها، ولا تتجزأ.
صفحاتنا للتواصل الاجتماعي