بين ثورة التقنيات الإلكترونية على اختلاف معطياتها ومفرزاتها، ورسوخ أقدام الحكومات في الاقتصاد، وتطوير البنى التحتية المستقرة، علاقة متفاوتة يحكم على متانتها أو هشاشتها مدى نظرة هذه الحكومات لضرورة الأمن الرقمي، أو أمن الفضاء المفتوح على جميع المصاريع وكافة الاحتمالات، ومختلف المتطفلين أو اللاعبين في مكتسبات الدول وبناها التحتية، فضلاً عن اقتصادها واستثماراتها وحقوق أفرادها وأبنائها.
ولهذا كانت الإمارات من الدول السباقة حقيقة إلى وضع بصمتها الإلكترونية في هذا الفضاء، وتقديم نموذج فريد من الأمان الرقمي يشهد له الخبراء في هذا الاختصاص من جميع أنحاء العالم، ولا تزال تضع التقنيات الآمنة وتسابق الزمن لتأكيد ريادتها في تحقيق التوافق بين الثورة التقنية والاستقرار في التعاطي والتداول والتعاملات، إضافة إلى الأمان الذي يبحث عنه كل رأس مال طامح للاستثمار.
ويحق للإمارات أن تفخر بمنجزاتها الرائدة على هذا الصعيد، فالخطوة الأخيرة التي تمثلت في تسجيل جميع سكان الإمارات في مشروع السجل السكاني وبطاقة الهوية، وامتلاك أكبر قاعدة للبيانات البيومترية على مستوى العالم، أو ما يطلق عليه الصفات الحيوية التي يتناولها علم الإحصاء الحيوي، للتحقق من هوية الأشخاص باستخدام صفاتهم الفريدة التي لا يمكن نقلها للآخرين ولا يمكن للإنسان نسيانها ولا سرقتها، والتي تظهر في بصمات الأصابع، وهندسة كف اليد، وشبكية العين، والقزحية، إضافة إلى بعض خصائص الوجه وملامحه، كما تتضمن السلوكيات الشخصية مثل التوقيع، والصوت، ونمط الضغط على المفتاح، والسير، وكل من هذه الصفات لها مميزاتها التي تتوافق مع متطلبات الأنظمة الأمنية المختلفة.
ويضاف إلى ذلك استخدام أحدث بطاقة هوية “ذكية” في العالم، للوصول بأمان إلى تمكين التحول الإلكتروني والاقتصادي، من خلال توفير منظومة آمنة ومتكاملة ومتقدمة لإدارة الهوية الشخصية في الدولة، بما يسهم في تعزيز مقومات الأمن والتنافسية العالمية للإمارات.
هذه الريادة في الأمن الرقمي، حازت على الإشادة العالمية من العديد من الخبراء في هذا القطاع، نظراً لسرعة إنجازها ودقة معلوماتها وشمول تغطيتها، وهو ما يخدم بلا أدنى شك دعم البنية التحتية في الدولة، وتقوية عوامل الدفاع أمام أي تجاوزات قد يقدم عليها أحد في فضاء التعامل الإلكتروني.
ولا بد هنا من الإشارة والإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلتها هيئة الإمارات للهوية في هذا الخصوص، مؤكدة سعي الإمارات المستمر نحو ترسيخ دعائم الاقتصاد الرقمي الآمن، بالاستفادة من التطبيقات المتقدمة للتكنولوجيا، ضمن منظومة إدارة الهوية “الذكية”، الشيء الذي يجعل الإمارات من الدول السباقة لتفعيل استخدام تطبيقات التكنولوجيا الذكية في القطاعين الحكومي والخاص، وذلك بعد نجاحها في امتلاك أكبر قاعدة بيانات للسجلات المدنية الحيوية الإلكترونية “المدمجة” على مستوى العالم، ضمن نظام السجل الخاص بها.
ويعلم الجميع أن الأمن الرقمي باستخدام أحدث التقنيات والبيانات، بات عاملاً مهماً في تشكيل وبناء مستقبل الاقتصاد الجديد وترسيخ دعائمه، إلى جانب دوره في تعزيز الأمن الوطني والفردي، وإنفاذ القانون وتطوير التعاملات التجارية الإلكترونية، في ظل تحذير العديد من المتخصصين في عالم الاقتصاد الرقمي، من أن دول العالم ستواجه خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، هجمات إلكترونية على نطاق واسع تستهدف بناها التحتية الوطنية، كما ستواجه الحكومات تحديات غير متناهية للحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية والاجتماعية، التي يوفرها العالم الرقمي الذي نعيش فيه اليوم، وهو ما أكده المهندس علي محمد الخوري مدير عام هيئة الإمارات للهوية، خلال قمة الأمن الرقمي التي احتضنتها الإمارات مؤخراً.
وبناء على تلك التحذيرات التي لا بد من الاهتمام والأخذ بها، يبدو لزاماً على الاستراتيجيات الوطنية أن تسعى نحو تعزيز أمن اقتصاد المعرفة والتجارة الإلكترونية، وأن تحمي النطاق الشبكي الرقمي الذي تعتمد عليه، من التهديدات عبر الإنترنت، وهو ما يتطلب تعاوناً على كافة المستويات الدولية والمؤسساتية والفردية.
وفي هذا المجال كانت تجربة الإمارات في مجال تطوير الخدمات العامة ودعم تنمية الاقتصاد الرقمي، من خلال منظومة إدارة الهوية، رائدة ولافتة، واستطاعت العمل على توفير مستويات عالية من الأمن والموثوقية.
نورة السويدي
صحيفة “البيان”
صفحاتنا للتواصل الاجتماعي