طيب الله ثراه
كانت رؤية رجل واحد هي حجر الأساس الذي بنيت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة وتحولت إلى الدولة الرائدة التي نعرفها اليوم.
مرت أربعون سنة على اتحاد الإمارات وما زالت ذكرى والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تتألق مع مرور كل سنة، وغروب شمس كل يوم،
لتنير أمامنا الطريق نحو مستقبل واعد، فهي تشرق لأنها مغروسة في قلب كل فرد من أفراد شعبنا، وتتألق لأنها القاسم المشترك بيننا،
وتسطع لأنها لا تعرف للحدود معنى.
منذ أربعين سنة، اتحدنا تحت رايته وقيادته وغرس فينا روح الاتحاد والمحبة والأخوة لنصبح دولة واحدة متحدة.
آمن الشيخ زايد – طيب الله ثراه – طيلة حياته بكرم هذه الدولة وعطائها، ومنحها مودته التي انبثقت من إيمانه بالإنسانية وثقته العميقة بأن كل إنسان
يمتلك روح الإيثار في نفسه ليهتم بالآخرين ويعطي لمجتمعه.
لم يطلب الشيخ زايد – رحمه الله – من شعبه سوى أن يكونوا يداً واحدة تواجه تحديات الزمن ومصاعبه وتثبت أن في الاتحاد قوة لتحقيق المستحيل،
إنه لم يطلب سوى التحلي بروح الاتحاد.
واليوم يحق لنا أن نفتخر بالاتحاد أمام العالم أجمع.
Month: أكتوبر 2011
سلوكيّات العمل وأخلاقه
ممّا لا شكّ فيه أنّ أخلاقيّات العمل الإيجابيّة لها أكبر الأثر في تمكين أيّة مؤسّسة من السير بثقة والوصول إلى برّ الأمان، كما أنّ لها تأثيراً بالغاً على الكفاءة والفاعليّة مما ينعكس إيجاباً على تحقيق الأهداف المرجوّة وبشكل سليم.
أخلاقيّات العمل هي منظومة متكاملة من القيم والمعايير التي يعتمد عليها الأفراد في التمييز بين ما هو جيد وما هو سيّىء.. ومعالجتنا في هذه النافذة ستركز على الأخلاقيّات الإيجابيّة التي تنعكس بشكل إيجابيّ على سير العمل.
أخي الموظف .. أختي الموظفة:
إنّ السلوك الإيجابي يجعلك تصنع الفرق في مسيرتك الوظيفيّة.. فأنت من يصنع بيئة العمل الإيجابية.. ويُرسّخ الثقافة المؤسسية الجيّدة.. كما أنّ العمل بإخلاص وتفان.. وتأدية الواجبات الوظيفيّة بكلّ دقة هو في حدّ ذاته تطبيق لمنهاج الإدارة الإسلاميّة.. وأمانة في عنق الموظف.
ونحن اليوم في هيئة الإمارات للهوية نريد أن نُسهم.. وبفاعليّة.. في إيجاد البيئة الصحيّة والسليمة.. البيئة التي تتوافر فيها جميع مقوّمات النجاح وعناصر التميّز.. والتي تجعلنا في مصاف الناجحين والمتميّزين.
سلوكيّات العمل الجيّدة تمنح هيئتنا الموقرة فرصاً أفضل للنموّ.. والمبادرة في تطوير الذات.. ولا ننسى أن تحلّي الفرد بسلوكيّات إيجابيّة جيّدة قد يمنحه في وقت ما فرصة مناسبة للقيادة.
أخي الموظف .. أختي الموظفة:
لا بدّ من إعادة تشكيل النفس.. ومواصلة رحلة التغيير نحو الأفضل.. وانتهاج النهج السليم في التعامل الراقي.. الداخلي منه أو الخارجي.
مسؤوليّاتكم كبيرة في توجيه وتعليم من حولكم.. وتشجيعهم نحو تطوير أخلاقيات النفس.. تجسيداً لشعوركم الصادق بحجم المسؤوليّة الملقاة على عاتقكم.. ووعيكم لطبيعة وحجم الدور الذي تساهمون فيه من أجل وطننا الحبيب.
أخي الموظف .. أختي الموظفة:
التحلّي بالأخلاق الحميدة.. والتشبّث بالمبادئ الراقية.. والقيم الأصيلة.. والقواعد السليمة .. طريقنا نحو الخير والنجاح والتميّز.. بإذن الله تعالى.
وفقنا الله سبحانه وتعالى جميعاً لخدمة هذا الوطن الغالي.
إعادة إرسال
«عُثر في جزيرة نخلة جميرا الواقعة مقابل سواحل إمارة دبي على بقايا أحافير ومتحجرات تعود إلى تمساح ضخم عاش قبل أكثر من ثمانية ملايين عام، وأكد مدير عام هيئة الأبحاث الجيولوجية في دبي عدنان الحميد، أن اكتشاف هذه الأحافير جاء بعد عمل مضنٍ استمر أسابيع، وأنها دليل على وجود أنواع من الحياة سكنت في المنطقة». (ت.ت.غ)
بالطبع فإنك لن تقرأ هذا الخبر إلا في هذا العمود، ليس بسبب أنني حصلت على سبق إعلامي، بل لأني اختلقت الخبر بالكامل، وكله «خرط» كما يقال، ولكن جرب أن تضعه على الـ«بلاك بيري» أو تنسخه في أحد المنتديات وسيعود لك بعد أيام وقد أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها، ستقول لهم إن جزيرة النخلة أنشئت قبل سنوات عدة ولن يسمعك أحد، ستصرخ بأنه لا توجد دائرة في دبي اسمها «هيئة الأبحاث الجيولوجية» ولن يعود لك إلا الصدى، ستؤكد لهم أن عدنان الحميد هو صاحب صوت «حنفي وأم سيد» في شعبية الكارتون، وأن «ت.ت.غ» ليست وكالة إعلانية بل هي «تعيش وتاكل غيرها» ولكن ستجد دائماً من يفسر الأمور ويقول لك إن الخبر منشور في «كل مكان»!
شعار الإعلام الاجتماعي الجديد «اكتب ما تشاء وستجد له آذاناً مصغية». قبل أيام وصلني «ايميل» حول مدى خطورة الأندومي المصنوع من «عظام الحيوانات الميتة»، مع تصريح رزين لاسم مجهول لدكتورة معينة وتحذير من مادة الـe641 التي يحتويها، وجدول بالأضرار لم نقرأ أن مفاعل فوكوشيما الياباني قد تسبب فيها، وعلى الرغم من ذلك مازال الأطفال الصغار في كل منزل لدينا يتناولونها بالأطنان ويجرون كالقردة!
نحن أمام منزلق إعلامي خطير، فالكثيرون يحبون إعادة الإرسال دون تكليف أنفسهم عناء إجراء بحث بسيط حول ما يعيدون إرساله وهو في الغالب لا يخلو من كونه شائعة أو حديثاً موضوعاً أو شكوى كاذبة أو خبراً مفبركاً، ولا يخفى انتشار الظاهرة أخيراً بشكل كبير مع هذه الهوجة الإعلامية.حتى خفت أخيراً بعد قضية (أم راشد) التي دفع الزميل حسن يعقوب الثمن فيها عنا جميعاً.
النقطة الأخرى هي رغبة معظم المرسلين في الظهور بمظهر الخائف على سلامة وصحة الأمة، لذا فكل شيء أصبح يسبب السرطان وتليف الأطراف من الأكواب إلى مقاعد السيارات مروراً بالوجبات السريعة وبخاخات الربو وأدوات الحلاقة والتفاح والعلكة والسنيكرس، وبالطبع حقن البوتكس!
مواطن
الكلام على فئة ربما تكثر أو تقل، لكنها، للأسف، بالتأكيد موجودة . البعض يتخذ من السبب المضيء علة لسلوك عكسي، غير إيجابي . يتخاذل لأنه مواطن، ويقصر في عمله لأنه مواطن، ويتأخر في دراسته لأنه مواطن، ويكتفي من الغنيمة بالإياب لأنه مواطن، ويكثر الغياب عن شغله لأنه مواطن، ويرغب في الترقية المجانية لأنه مواطن، ويعمل في مكان وعينه على مكان آخر لأنه مواطن، ويتراجع بدل أن يتقدم لأنه مواطن، ويسيء معاملة الجمهور لأنه مواطن، ويقود سيارته بجنون لأنه مواطن، ولا يقف في الطابور لأنه مواطن .
كان يمكن المضي أبعد في السياق نفسه، وكان لا بد من العودة: الأنموذج النقيض، أي الإيجابي والمتميز والمتفوق حاضر أيضاً بقوة، فلدينا المواطن الذي يستوعب تماماً، وإلى الحد الأقصى، معنى المواطنة الصالحة. هو يعمل أكثر من غيره لأنه مواطن، وهو يبذل طاقته كلها نحو تحسين الأداء في الوظيفة العامة. هو يتعلم أكثر لأنه مواطن، ولأنه مواطن فهو لا يكتفي بالشهادات العلمية الاعتيادية لأنه مواطن، فهو يريد الحصول على المركز الأول في كل مجال يخوضه. لأنه مواطن، فهو يسعى، باستمرار إلى التقدم وتنمية الذات، يؤمن بحقه في التعيين والترقية لأنه اشتغل على نفسه كثيراً، ولا يرى أن مواطنته وحدها سبب كاف للتمييز مطلقاً.
الأفضلية للمواطن. نعم. هذه قيمة معقولة ومقبولة ومنطقية، لكن المواطن مطالب بالعمل والجدية والصدق مع الذات ومع الآخر.
أن تكون مواطناً، فهذا سبب جميل وآخاذ. سبب نبيل ولطيف وعظيم، لأن تحب وطنك أكثر، وتخدم الإمارات ومجتمعها بقوة ومحبة.
أنت مواطن . هذا سبب يقودك، بالضرورة إلى المزيد من العطاء والرقي.
حملة.. لا للهواتف أثناء القيادة
ملاحم الحوادث التراجيدية تجعل الإنسان أمام خيارين.. إما أن يموت مضرجاً بدمائه، تاركاً خلفه قلوباً مفجوعة، ودموعاً مسفوحة، أو أن يعيش هانئاً مطمئناً منعماً بعلاقات عائلية وإنسانية بلا دموع.
الحوادث الدامية التي أزهقت أرواحاً، وخلفت جراحاً، وأفقدت الوطن أغلى ما يملك، تجعل من الضروري أن تكون هناك يقظة، وأن تكون هناك هبّة لإيقاف النزيف ومنع التجريف للأرواح والأجساد…
لا بد من وقفة مع الضمير، ولا بد من محاسبة تضع الأمور في نصابها الصحيح، وبعض الشباب عندما يريدون أن يركبوا موجة التهور ويجمحوا باتجاه السرعات الفائقة يقولون إن الموت حق ولا مهرب من القضاء والقدر.. ونقول اللهم لا اعتراض، ولكن هل يستطيع المنتحر عندما يقدم على مشروعه الجهنمي أن يقول إنه سيموت بانتحاره موتاً طبيعياً وقضاء وقدراً؟
ما يفعله بعض شبابنا عند استخدامهم للهواتف النقالة ويقودون سياراتهم بسرعة تكاد تكون أسرع من صوت الناصحين والمحذرين والمؤنبين، هو في الحقيقة انتحار مبطن بأساليب وأعذار مختلفة، لكن النتيجة واحدة.. الأمر الذي يجعلنا نشد على أيدي شبابنا الذين يقودون وبسرعة فائقة حملة مضادة، موضحين لإخوانهم من شباب الوطن أن استخدام الهواتف أثناء القيادة هو طريق إلى الهلاك، وهو استخدام في غير موقعه يؤدي إلى الموت لا محالة.. نصائح تعبر عن وعي مجتمعي، خاصة في فئة الشباب اليانع وهذا ما يدفعنا لأن نشجع الآخرين على أن ينضموا إلى هذه الكوكبة المضيئة في فضاء المجتمع ويضعوا قدراتهم الفائقة في استخدام “فيسبوك” و”تويتر” في كل ما يخدم الناس ويحمي المجتمع من الفقدان…
نشد على أيديهم ونقول لهم إن ما يقومون به هو عمل وطني جليل ونبيل يستحق التقدير والإشادة، لأن هذه الأدوات لأجل خدمة الناس ولأجل أداء أعلى جودة يستفيد منه المجتمع.. فجهودكم يا شباب الوطن مشكورة ومقدرة ولها عندنا كل التبجيل والاحترام، وإن ما تقومون به ثقافة جديدة يجب أن يكون لها دور فعال في إزاحة اللغط وتصحيح الغلط وتخفيف الشطط لدى بعض الشباب لنحمي بلدنا ونوفر طاقات شبابنا لأجل البناء ورفعة شأن الوطن…
اليوم وبعد الخسائر الفادحة التي تكلفها الوطن، نجد في هذه الحملة المباركة من جهة شبابنا حملة الحب والوفاء ورد الجميل لوطن أعطى إلى ما لا نهاية، وسخر جل الإمكانات من أجل إسعاد الإنسان، فيجب أبداً ألا نكافئ وطننا بهذه الانكسارات المفجعة…
نقول لشباب الحملة الإعلامية الرائعة، عافاكم الله وأبقاكم ذخراً وسنداً لهذا الوطن المعطاء، وما نريده ونتمناه هو المزيد من الجهد وتكثيف العمل لأجل ترسيخ واقع ثقافي جديد ومرهف يغير من ثقافة العنف ضد النفس ويغير من تقليد سابق أصبح مكروهاً وبغيضاً، لأنه أفقدنا أعزاء على نفوسنا وخسرنا به أرواحاً غالية علينا.. نسأل الله الحماية لشبابنا ونتمنى لهم حياة تسعدهم ولا تشقيهم.
رأس المال الاجتماعي وتوطين الهوية
يمثل الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها غاية نسعى إليها جميعاً، بوصفنا شركاء في حب الوطن، وشركاء في بناء نهضته وتقدمه. ولا شك أن الهوية الوطنية هي التي تمنح هذه الشراكة روحها ومعناها. بل لا نبالغ إذا قلنا إن الهوية الوطنية هي التي تهب لنا معنى الانتماء لهذا الوطن الغالي.
لكن الحفاظ على هذه الهوية وتعزيزها يحتاج إلى وسائل عديدة. وقد ناقشنا، في مقالات سابقة، بعض الوسائل الكفيلة بالحفاظ على هويتنا الوطنية. واليوم نناقش معاً الدور الذي يقوم به مكون من أهم المكونات: ألا وهو رأس المال الاجتماعي. الذي بات يحتل أهمية قصوى في عصر الثقافة الكونية وتعدد الهويات والثقافات، وما ترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على النسيج الاجتماعي والثقافة الوطنية للعديد من المجتمعات. وضعف الروابط والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
فما معنى رأس المال الاجتماعي؟ وما الخصائص التي تميزه. وكيف يتشكل؟ وما الدور الذي يقوم به في توطين الهوية؟ على الرغم من تعدد وتنوع التعريفات المرتبطة بمفهوم رأس المال الاجتماعي، ومن دون الدخول في متاهة التعريفات النظرية المجردة؛ يرتبط رأس المال الاجتماعي بشبكة العلاقات الاجتماعية التي ينسجها الفرد، أو الجماعة، بغية تحقيق أهدافه في الحياة. وتتسم شبكة العلاقات هذه بالتنظيم، ولا تخضع للعشوائية . فهي تخضع لقواعد ومعايير تحكم سلوك الأفراد والجماعات، وتوجه سلوكهم الاجتماعي. وفق القيم والأعراف والنظم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية للمجتمع. وتهدف هذه القيم إلى الارتقاء بأفعال الأفراد والجماعات وتعمل على تحسين ودعم سبل التفاعل بينهم من أجل تحقيق الغايات التي يسعون إليها. لذا نجد أن البنك الدولي يحدد مفهوم رأس المال الاجتماعي بوصفه “مجموعة من المؤسسات والعلاقات والقواعد التي تطور من جودة وفعالية التفاعلات. والعلاقات الاجتماعية التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة “.
ويجسد هذا التعريف أهمية رأس المال الاجتماعي ليس فقط في تحسين نوعية وفاعلية العلاقات والتفاعلات الاجتماعية بين الأفراد، بل أهميته في تحقيق التنمية المستدامة. ويستمد رأس المال الاجتماعي قوته من قدرة الأفراد على المشاركة في الأعمال ذات النفع العام. ومن هنا نجد أن تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمفهوم رأس المال الاجتماعي يجعله قرين العمل الخيري أو التطوعي. حيث يتم تعريف رأس المال الاجتماعي لدى برنامج الأمم المتحدة “بالأفراد المتطوعين في العمل الخيري أو التطوعي والذي يعد عملاً غير ربحي، أي لا يقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفي/مهني، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين”. وتذهب بعض الدراسات إلى أن عدد مؤسسات النفع العام وحجم عضوية الأفراد في هذه المؤسسات يعبر عن رصيد رأس المال الاجتماعي في المجتمع.
لكن ما المنابع التي تشكل رأس المال الاجتماعي؟
ثمة مصادر متعددة تساهم في تكوين رصيد الأفراد والمجتمعات من رأس المال الاجتماعي. ويأتي على رأس هذه المصادر: الأسرة والمدرسة، وجمعيات النفع العام ومنظمات المجتمع المدني. حيث تساهم هذه المصادر في تكوين رأس المال الاجتماعي من خلال قدرتها على تشكيل وجدان الأفراد وتربيتهم على القيم والمعايير التي تزيد من رصيد رأس المال الاجتماعي لديهم، وتعزز من دوره الايجابي في المجتمع. ومن أهم القيم التي تشكل رصيد رأس المال الاجتماعي: القدرة على العمل الجماعي المشترك، قيم الثقة بين الأفراد، وبينهم وبين المؤسسات المختلفة، الحكومية وغير الحكومية. والثقة بين الفرد والدولة، وقيم التعاون والتضامن، والقيم التي تعزز الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية. والقيم التي تعلي من شأن تماسك النسيج الاجتماعي. وإذ تشكل هذه القيم، في مجموعها، رصيد الأفراد من رأس المال الاجتماعي، فإن هذا الرصيد يمثل قوة دافعة تساهم في بناء نهضة الوطن وتقدمه، في مختلف جوانب المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعلى الصعيد الاقتصادي، يساهم رأس المال الاجتماعي – بما يوفره من مناخ قائم على الثقة والشفافية – في مساهمة الأفراد في مختلف المشروعات الاقتصادية وانخراطهم في سوق العمل، كما يساهم في إعلاء قيم العمل والإنجاز. وعلى الصعيد الثقافي، يؤدي رأس المال الاجتماعي إلى تعزيز مشاركة الأفراد في إنتاج وتوظيف المعرفة، وفي مشاركتهم في توسيع دائرة الوعي – من خلال المشروعات والأنشطة التي تهدف إلى القضاء على الأمية، سواء بمعناها الأبجدي (عدم معرفة القراءة والكتابة)،أو بمعناها المعرفي أو الثقافي (الذي يعني عدم القدرة على التعامل مع المنجزات المعرفية لثورة المعلومات وأهمها الحاسب الآلي والإنترنت). وعلى الصعيد الاجتماعي، يساهم رأس المال الاجتماعي في تشكيل وجدان الأفراد ووعيهم الجمعي، ويعزز من القيم والمعايير الأخلاقية التي تدفعهم نحو التضامن والتعاون وتعزز لديهم قيم الولاء والانتماء. وهذه القيم تشكل، في الوقت نفسه، جوهر الهوية الوطنية.
ويفضي ذلك كله إلى خلق بيئة تمكينية توفر المناخ الصحي اللازم لتوطين الهوية، وجعلها ذات جذور ثابتة تستمد مقوماتها من المخزون الاستراتيجي لرأس المال الاجتماعي. الذي يساهم ليس فقط في الحفاظ على الهوية الوطنية، بل يساهم في الوقت نفسه في تحقيق التنمية المستدامة.
فلنتعهد جميعاً..
توقيع الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان، على تعهد شخصي بعدم كتابة الرسائل النصية عبر الهاتف النقال أثناء قيادة السيارة، مبادرة رائعة من سموه، فالتوقيع هنا فيه كثير من الرسائل المباشرة إلى مختلف فئات المجتمع، التي تضررت كثيراً من ارتفاع عدد حوادث السيارات المخلفة وراءها ضحايا بشريين، معظمهم من الشباب، خسرتهم الدولة، وفقدهم أهاليهم، بسبب غياب التركيز أثناء القيادة، والانشغال بالهاتف النقال.
لا شك في أنها الحرقة والغيرة والخوف على شباب الإمارات، ولا شك في أنها الرغبة في نشر الوعي، والثقافة المرورية السليمة، ولا شك في أنها الرغبة في سنّ سنة حسنة، وتعزيز مبدأ القدوة الحسنة، والحرص على المحافظة على ثروة الدولة الحقيقية المتمثلة في الشباب، فالخسارة هنا عامة، والضرر يقع على الجميع، كل هذه الأمور هي التي دفعت حمدان بن مبارك، إلى أن يبادر بشكل شخصي للغاية، ويوقع على تعهد حملة «أتعهد»، وهذه الأسباب ذاتها هي التي دفعت «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع وزارة الداخلية، إلى أن تطلق هذه الحملة الشعبية مطلع هذا الأسبوع.
«أتعهد» حملة شعبية فكرتها بسيطة للغاية، فهي تخاطب ذات الإنسان من منطلق القناعة الداخلية بترك عادة سيئة، ومن يستطيع الالتزام الذاتي ـ ليس طمعاً في مكافأة ولا خوفاً من مخالفة ـ فكل ما عليه هو التوقيع على تعهد بسيط مكون من جملة واحدة تقول «أتعهد منذ اللحظة بعدم كتابة الرسائل النصية وإجراء المحادثات النصية عبر الهاتف أثناء قيادة سيارتي»، هذا كل ما في الأمر، لكن عليه بعدها أن يكون صادقاً مع نفسه، ويلتزم بكلمته التي تعهد بها طواعية من دون إجبار، وأن يمتنع، في ما تبقى له من عمر، عن هذه العادة، ويحافظ على كلمته وعهده.
ولأنها حملة شعبية، فكما لاحظتم جميعاً لم يسبق اسم حمدان بن مبارك أثناء التوقيع أي لقب، كما لم يعقبه أي منصب، فهي مبادرة شخصية تخاطب كل من يقود سيارة في شوارع الدولة، من أجل ذلك فقد لاقت رواجاً شعبياً كبيراً بين مختلف فئات المجتمع، وأبدى كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني، والأندية الرياضية، والجامعات، استعداده للدخول في الحملة، وجمع التواقيع من الراغبين، وهذا بالضبط هو هدف الحملة، وهذا ما كان يريده منا سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، الذي يقف وراء كل فكرة متميزة، ويدعم كل خطوة تهدف إلى الحد من نزيف الشباب على الطرقات، فكان أكثر المتألمين لارتفاع عدد الحوادث الناجمة من استخدام الهواتف، وكان أشد الداعمين لحملة «أتعهد».
حملة «أتعهد» هي ثمرة تعاون حكومي متمثل في وزارة الداخلية، وخاص متمثل في «اتصالات»، وإعلام هادف ملتصق بالشعب ممثل بصحيفة «الإمارات اليوم»، وبالتالي فهي تجربة حية لما يمكن فعله عندما تلتقي هذه الجهات سوياً، وحجم التأثير الإيجابي المشترك في توحيد وتضافر الجهود، فلنسع جميعاً للاشتراك في الحملة والتوقيع على التعهد، وترك استخدام الهاتف النقال في كتابة الرسائل النصية أثناء القيادة، ولنحرص على استخدام الهاتف بالطرق القانونية السليمة التي تضمن سلامتنا وسلامة الآخرين.
حملة «أتعهد»
«أتعهد»، حملة شعبية تطلقها «الإمارات اليوم»، استكمالاً للحملة غير الرسمية التي أطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على الإنترنت، بهدف الحثّ على التوقف عن استخدام الهواتف النقالة، وتحديداً كتابة الرسائل النصّية، سواء عبر الهواتف الذكية أو العادية، أثناء قيادة السيارة، بهدف وقف نزيف طاقات الشباب المهدورة بسبب الحوادث المرورية المميتة الناجمة بشكل مباشر عن هذه العادة السيّئة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتفاقمت، وانتشرت، وحصدت أرواح شباب هم في سنّ العطاء، وهم ثروة هذا الوطن التي لا يمكن تعويضها.
الحملة تجرّب التوعية وسيلة للوصول المباشر إلى الأهداف، بدلاً من الحثّ على العقوبات فقط، فالشاهد أن كثرة المخالفات لم تصل بنا إلى حلول ناجعة لمعضلات السرعة والقيادة المتهورة، ومع ذلك لانزال نجرّب هذا الأسلوب بقوة وتوسع، من دون أن يكون مدعوماً على المستوى الوطني بنهج توعويّ ناضج ومدروس، فالمخالفة لا تنقذ روحاً، وأضرار الهدر في الطاقات البشرية تفوق المبالغ المالية المفروضة جزاءات على المخالفين.
حملة «أتعهد» تستجيب للخطر المحدق في شوارعنا، وتخاطب في الناس الوعي قبل الخوف من العقوبة، وتستحث فيهم الضمير الإنساني أولاً، وميزة هذه الحملة، أنها ستكون نابعة من قناعات الناس، من دون أية ضغوط أو حوافز أو مخالفات أو مكافآت، هي حملة تركز على القناعة الذاتية، من خلال تعهد بسيط يوقّع عليه الشاب أو الشابة، الصغير والكبير، المعروف والمغمور، يلزم به نفسه بعدم الانشغال بالهاتف النقال أثناء القيادة، وبذلك يكون قد انضم إلى الحملة، بعد أن يوقّع على هذا التعهد، ويرسله إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة، أو الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية أو مؤسسة الإمارات للاتصالات، اللتين رحبتا بفكرة الحملة وقررتا رعايتها ودعمها.
من يملك القدرة على الالتزام بعهد قطعه على نفسه، فهو مشارك في الحملة، ومن لا يريد فلن نستطيع إجباره، كما لن تردعه أيضاً مختلف الحملات، أو حتى تشديد العقوبات، فالقصة كلها تعود إلى القناعات الداخلية للإنسان، وإن استطعنا الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين، واستطعنا إقناعهم والحصول على تواقيعهم التي تعني بالضرورة التزامهم، نكون قد حققنا نجاحاً فعلياً، فلا رادع للإنسان أكثر من وعيه وضميره، ولا يستطيع أحد أن يُخضع الإنسان لشيء ما، بقدر اقتناعه الداخلي، وهذا ما تسعى إليه الحملة.
هي حملة عامة وشاملة، سنحاول الوصول بها إلى كل مواقع الشباب الحقيقية والافتراضية، في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى المواقع الإلكترونية، في الجامعات والمدارس، وهي مفتوحة للجميع، كل الجهات والوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة تستطيع الإسهام والمشاركة، عبر نشر الفكرة والترويج لها، وجمع التواقيع لزيادة شريحة المتعهدين والملتزمين.
صحيح أننا سننطلق بدعم ورعاية وزارة الداخلية، لكن جميع الوزارات الأخرى مدعوة إلى الانضمام، فالمسألة تهم الجميع، وهي مسؤولية الجميع، ونشر الوعي والثقافة المرورية مهمة الجميع، لأنها في النهاية خدمة مجتمعية يستفيد منها الجميع، لأن ضحايا الحوادث المرورية هم أبناؤنا وإخواننا، وخسارة أي شاب هي خسارة للوطن، فلنعمل معاً على وقف نزيف أرواح أبناء الوطن، بسبب حوادث يمكن تلافيها.
إنتباه مفقود
مع كل حوادث السير والمآسي التي تقع يومياً إلا أن البعض يظن نفسه بمنأى عن كل ذلك، وأن بإمكانه السيطرة على نفسه ومركبته والآخرين والطريق، وهو يتحدث عبر هاتفه المتحرك أو يطالع رسالة نصية أو يكتب أخرى، أو بينما ينشغل بمطالعة أوراقه أو النظر في شاشة مركبته، حتى يقع خطأ بسيط في ثوان معدودة حينها يدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه، لكن في أحيان كثيرة لا ينفع الندم ولا يمكن التراجع، لأن ما نعتقد أنه أمر صغير يمكننا السيطرة عليه يتحول إلى بلاء كبير لا نستطيع الفكاك منه.
سيارات اليوم مجهزة بكل أنواع الترفيه، وإن لم توجد فيها تلك الأجهزة فبإمكانك شراؤها بأرخص الأثمان، لتجد في سيارتك وبمبلغ لا يتجاوز الألف درهم جهاز عرض للخرائط والفيديو والموسيقا والتلفزيون وحتى الصور، إلى جانب هاتف متحرك يعرض لك آخر الرسائل النصية، ويتيح إمكانية الرد عليها، إلى جانب كاميرات تطلعك على ما يدور حولك وتوضح لك السيارات القريبة منك وحركتها.
كل تلك الأمور تسهم بلا شك إلى جانب جهاز البلاك بيري في تشتيت انتباه السائق وانشغاله بأمور أخرى غير الطريق، مما يضعف تركيزه، إذ بات ملاحظاً هذه الأيام كثرة السيارات التي تسير بلا هدى، وتتهادى بين المسارات بلا تركيز ويكاد أصحابها يرتكبون حوادث مرورية لولا استخدام آلة التنبيه لردعهم وإعادتهم لحالة الانتباه.
قبل أن نطالب بحملات مرورية أو قوانين رادعة علينا أن نتعاون مع روح العقل والمنطق ونصلح من أحوالنا ونتنبه لسلوكياتنا الخاطئة حتى في حق أنفسنا، بالتأكيد لا يتمنى الواحد منا أن تنتهي حياته بسبب مطالعة رسالة نصية أو النظر في أخرى عبر البلاك بيري قد تكون رسالة تافهة تودي بصاحبها إلى الهاوية، وقد يأخذ في طريقه أناساً أبرياء لا حول لهم ولا قوة سوى التواجد في تلك اللحظة في المكان الخطأ، لو تعاطت القوانين مع كل السلوكيات وما يستجد فيها لتحولت إلى مجلدات عملاقة لا يمكن فتحها إلا بآلات ضخمة أو بكوادر أو بتقنيات حديثة للبحث فيها لكن الأسهل من كل ذلك هو أن نحصن أنفسنا وندرك حقيقة تصرفاتنا وخطورة ما نتصور أنه سلوك عادي قد يتسبب لنا ولأهلنا ومن حولنا في مأساة.
جميل أن نمتلك أحدث أدوات التكنولوجيا وأكثرها تطوراً ولكن الأجمل أن نحسن استخدامها ولا نحولها إلى وبال أو خطر يتهددنا كل لحظة بل ومصدر ازعاج للمحيطين بنا.
صفحاتنا للتواصل الاجتماعي