لعل مداخلة سمو الشيخ محمد بن زايد في محاضرة “بيل غيتس”، “العمل الخيري.. تحفيز لتغيير العالم” كان يجب أن تحظى بالاهتمام البالغ، ويلقى عليها الضوء من كل جوانبها؛ لأنها تحمل في داخلها معنى الخير الحقيقي، ومعنى أن تبحث عن طرق توصيله بتجرد وموضوعية، لا تهدف من خلال ذلك إلا أن تجعل السعادة تطرق أبواب المحتاجين إليها، لا تمنعك عن ذلك النفس وما يوسوس فيها من توجهات، وأفكار مسبقة، وما اختلط في عقلك من معارف، وتضارب آراء، يحتمها عليك العمر، ونقص التجربة، وضيق الأفق، وتأثير الآخرين، تلك المداخلة الجميلة يجب أن توضع كمنهج للعمل الخيري للمؤسسات الإنسانية في الإمارات، والتي تعمل على ذلك، وتجتهد في ذلك، كما أنها من الأمور النبيلة والقيّمة في الحياة علينا أن نرسخها في عقول الأبناء، لجعل معيار الخير عندهم هو الإنسان، بعيداً عن كل التعقيدات والفواصل العرقية والدينية، وغيرها مما تحيد العمل الإنساني عن مبرّته وخيره ومسرته في القلوب، قلوب المعطين وقلوب المتلقين، وذلك حينما روى سموّه قصـة معبرة، تعد من تجارب حياته وأولها والتي كان يستمدها من والده باني النهضة في الإمارات، الشيخ زايد له الرحمة والثواب، والدعاء الذي لا ينقطع، يقول سمو الشيخ محمد بن زايد: “في أواخر عام 1980، زرت دولة أفريقية، وبعد عودتي سألني الوالد رحمـه اللـه، عن أحوال تلك الدولة ووضعها الاجتماعي، وأحوالها المعيشيـة، خصوصاً قبيلة فيها من غير المسلمين، وبعد معرفة الوالد، رحمة الله عليه، بكل التفاصيل سألني: ماذا فعلت لهم، أجبت: لم أفعل شيئاً لأنهم من ديانة أخرى، فأمسك والدي بيدي، وطالعني في عيّني لثوانٍ وقال: مَن خلقك خلقهم، اذهب واحفر لهم بئراً، والآن.. هناك في هذا المكان 29 بئراً، ومستشفيات ومراكز طبية وآبار في 27 قرية أخرى.. أما (بيل غيتس)، فقد عرفت عن هذا الرجل الكثير، باعتباره صديقاً مقرباً، لكن ما عرفته عنه أخيراً، أنه رصد ملياري دولار، وهو غير المسلم، للقضاء على مرض شلل الأطفال في ثلاث دول مسلمة هي؛ باكستان وأفغانستان وشمال نيجيريا، مما يؤكد أن العمل الخيري والإنساني لا يُفرّق بين الأعراق والأجناس والمعتقدات”.
إن الشراكة في فعل الخير الخالص، سواء بين الأفراد أو بين المؤسسات، يمكنها أن تخلص العالم، ويمكنها أن تغيره للأفضل، سواء بتشجيع بحث علمي وتجارب مخبرية من أجل إنقاذ الإنسان من الآفات والكوارث الطبيعية أو بالعمل على صحة الإنسان وتحديات العلم المستقبلية من أجل خير البشرية، إن هدف شراكة العمل الخيري هو مد يد العون لكل وجع إنساني، في كل مكان، حيث الفقر يمكنه أن يجلب معه كل شيء؛ الجهل والمرض والقتل والموت، وتدمير الذات، وتصفية وإلغاء الآخر!
اكتب تعليقك