كان ذلك في بداية السبعينات، دأب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على التجول في المدينة، وتفقد أحوال المواطنين، براً وجواً، كما رأينا في لقطات مصورة بثها، أمس، المكتب الإعلامي عبر القناة الخاصة بالشيخ محمد على “يوتيوب”، يظهر فيها سموه متجولاً بطائرة مروحية يقودها بنفسه في أنحاء الإمارة.
لم يكن حينها حاكماً، كما لم يكن ولياً للعهد، بل كان وزيراً للدفاع، لكنه كان يتلمس احتياجات الناس، وكان قريباً جداً منهم، ولا يزال كذلك، لم تغيره المناصب، لأن ما يفعله نابع من قناعة ذاتية، وليس فعلاً مصطنعاً لهدف دعائي أو أهداف أخرى.
تعمدت أن أبدأ مقالتي بالفترة الزمنية التي ظهر من خلالها سموه وهو يتفقد أحوال مواطنين في منطقة صحراوية، يبدو أنها نائية بمقاييس ذلك الزمان، فلم تكن حينها المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تعرف شيئاً عن هذه المنطقة، وهذا الجزء من العالم، ولم يكن هناك ربيع أو خريف أو شتاء عربي أو غير عربي، كما لم تكن هناك مواقع تواصل اجتماعي، “تويتر” لم يكن حاضراً، و”فيس بوك” لم يصنع بعد، لم يكن هناك سوى حكام يحبون شعبهم، وشعب مخلص لأرضه وحكامه.
الجولات الميدانية وسياسة الباب المفتوح، هما الركيزتان الأساسيتان، واختلاط الحاكم بالشعب هو الميزة التي تربى عليها ذلك الجيل، ومحمد بن راشد كان ولا يزال يمارس سياسة أبيه وأجداده في التواصل مع الناس، وتفهم احتياجاتهم، والنزول إليهم، والتجول بين بيوتهم لتلبية مطالبهم، وصلهم بالطائرة في أماكنهم الوعرة في السبعينات، ولا يزال يصلهم بسيارته وحيداً في أحيان كثيرة، رأيناه في هذا الفيلم المصور يتبادل الحديث مع مسن ويشرب معه القهوة، ورأيناه قبل سنوات مع ذلك “الشايب” يجلس معه على أرض خالية من أي فراش، سأل ذاك المسن عن حاجته قبل 40 عاماً، وبنى لهذا المسن بيتاً جديداً مؤثثاً قبل سنوات قليلة، وما بين هذا وذاك، آلاف وآلاف من الناس، وآلاف وآلاف من قضاء الحاجات، لم يفعل ذلك رياءً ولا طلباً لشهرة أو مجد، بل لأنه حاكم يؤدي مسؤوليات وواجبات الحكم، ويعطي الناس حقوقهم التي كفلتها لهم الدولة.
لم يكن مطلعاً على الغيب، كما لم يكن زايد كذلك، لكنهما صاحبا رؤية وفكر، فزايد لم يسمع كلام الخبراء الذين حذّروه من زراعة الصحراء، قبل أن يندهشوا لاحقاً من أنواع الثمار والأشجار التي نبتت في أنحاء أبوظبي، ومحمد بن راشد كان يتفقد بالطائرة مناطق خالية موحلة، لكنه كان مدركاً أن هذه الأرض ستتحول يوماً إلى ما مشروعات عملاقة، تنقل دبي من مدينة صغيرة غير معروفة إلى مدينة راقية تنافس أكبر مدن العالم، وتتفوق عليها أيضاً.
وبكل تأكيد فحكامنا أيضاً ليسوا ملائكة، ولا هم آلهة، بل هم بشر مثلنا، هذه ميزتهم الحقيقية التي يفتقدها كثيرون، إنهم بشر يتجولون بيننا، ويتفقدون أحوال الناس، يجلسون في مجالس المواطنين، ويأكلون طعامهم، يفرحون معهم، ويحزنون معهم، ويدركون أيضاً أن هناك متغيرات ونواقص، ويعملون على استكمالها، وهذا هو الفرق.
اكتب تعليقك