لا أحد ينكر، نظرياً، أهمية اللغة ودورها، حافظة لهوية المجتمع، ووعاء لتراثه وتاريخه الحضاري والإنساني، لكن تطبيق هذه الرؤية عملياً عندما نتحدث عن لغتنا العربية، يبقى حلماً بعيد المنال في كثير من الأحيان، خاصة على مستوى صناع القرار وأصحاب المسؤوليات القيادية.
ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، من أن “لغتنا هي هويتنا وهي رمز عزتنا وحضارتنا”، يضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، وطنياً وإنسانياً، وينير لهم الطريق نحو التمكين للغة الوطنية فـ”لغة القرآن تمكينها شرف لنا، واستخدامها تعزيز لهوية مجتمعنا، وحمايتها هي حماية لجذورنا وتاريخنا وثقافتنا..”، كما أكد سموه.
هذه ليست دعوة من مثقف عادي، ولا أمنية يطلقها أي مهموم بثقافة أمته ولغة عقيدته، وإنما هي موقف وتوجيه من أعلى المواقع القيادية ومراكز صنع القرار، ما يجعلها ترقى إلى مستوى الاستراتيجية الوطنية واجبة الاتباع والتنفيذ.
وقد جاءت هذه الدعوة متزامنة مع أعمال المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية، الذي استضافته دبي خلال الأيام الماضية، تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي حرص على حضور بعض جلسات المؤتمر.
اللغة ثروة وسلاح بالغ التأثير في معركة التقدم والتطور الحضاري، التي تتنافس فيها اللغات والثقافات بمختلف الوسائل، إلى حد الاحتراب أحياناً. وهذا ما جعل زعيماً بحجم ومكانة الرئيس الفرسي الأسبق الجنرال ديغول، يقول: “لقد صنعت لنا اللغة الفرنسية ما لم تصنعه الجيوش”.
والتنافس بين الدول والأمم في هذا المجال معروف ومشهود، ولعل من أهم النجاحات التي حققها الإسرائيليون في تنفيذ مشاريعهم الصهيونية، أنهم أولوا عناية خاصة باللغة العبرية، رغم أنها ظلت لقرون لغة شبه ميتة، ولا يكاد يتكلمها سوى بضعة ملايين من اليهود، وليس كل اليهود، لكنهم عملوا على إحيائها وجعلوها لغة التعلم والمعرفة، ولسان السياسة والحياة العملية. والشيء نفسه ينطبق على كثير من الشعوب الأخرى، كاليابانيين والكوريين وغيرهم، حيث يعتبرون لغاتهم الوطنية ثروات يحرصون عليها، ربما أكثر من أي ثروة أخرى يمتلكونها.
لذلك جاءت هذه الدعوة الكريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لتضع اللغة العربية في مكانها الصحيح ومكانتها اللائقة.. ولا شك أنها ستؤتي أُكلها لتحقق الأهداف والغايات المرجوة.
عبدالله إسحاق
صحيفة “البيان”
اكتب تعليقك