البعض يتعامل مع بطاقة الهوية على أنها مجرد بطاقة تضاف لبطاقات المحفظة أو”البوك” المنتفخة، ويتناسى أنها أحد أهم وسائل إثبات شخصيته وصون بياناته ومنع سوء استخدامها، وبالتالي عليه عدم التهاون في الحفاظ عليها من أي عبث بالحرص وتجديد بياناتها والإبلاغ الفوري عند فقدها، وعليه استحضار جهد كبير يبذل، وطاقات هائلة تتضافر لتستقر تلك البطاقة بين يديه لأجل مشروع كبير في إطار استراتيجية وطنية لتعزيز أمن واستقرار وازدهار وطن، ينعم كل فرد فيه بالأمان والخير والرخاء.
أسوق هذه المقدمة، بينما كنت أتابع تفاصيل جريمة سرقة وانتحال صفة الغير نشرتها وسائل الإعلام المحلية مؤخرا، لتعرض أمام القضاء وبداية خيوطها بطاقة هوية مفقودة لرجل أوروبي، عثر عليها وافدان، وبدلاً من أن يسلماها لأقرب مركز للهوية أو الشرطة، احتفظا بها وتمكنا بالحيلة من استخراج بطاقة ائتمانية بها، وأن يقوما بشراء هواتف نقالة غالية الأثمان لإعادة بيعها بأقل من السعر الأصلي لها.
كما تكشف مثل هذه القضية اندفاع بعض المصارف لإصدار البطاقات الائتمانية من دون الالتزام بأبسط القواعد المتعارف عليها في مثل هذه الأحوال والمتعلقة بالتأكد من هوية المتقدم للحصول على تسهيلاتها، فقد كانت في السابق تتشدد وتدقق بقوة في مثل هذه الأمور، ولكن يبدو أن قوة المنافسة والتسابق على اجتذاب أكبر عدد من الزبائن أنسى تلك القواعد الأساسية للعمل، وفي مقدمتها نشر وتعزيز الثقة بين طرفي المعاملة بالحرص على سمعة واسم المصرف ومصداقيته.
وما جرى يكشف أيضا عدم اهتمام كثيرين بالمحافظة على وثائقهم الثبوتية وعدم إتاحة بياناتهم الشخصية لغير المخولين بذلك، وعبر الطرق والوسائل غير الآمنة والمعتمدة.
ورغم التحذيرات المتتالية من إدارات الشرطة في هذا الجانب، نجد الكثير من ضحايا الطمع الذين يسقطون فرائس سهلة بيد عصابات محترفة، وباتصال هاتفي أو رسالة إلكترونية يبشر بجائزة مليونية أو بملايين الدولارات المزعومة لوريث آخر أباطرة أفريقيا الوسطى. تجد الضحية سرعان ما يوفر بياناته الشخصية التي تسرع تلك العصابات باستخدامها ويفاجأ الحالم بالثراء السريع بأنه قد فقد أمواله وتم استغلال اسمه في سرقة آخرين، وفي أمكنة لم يسافر إليها قط. ولعل أحدث قضية سرقة بيانات هي التي كشفت عنها شرطة دبي، الأربعاء الماضي، وأطلقت أثرها تحذيرات جديدة من أساليب مبتكرة لتلك العصابات التي تعرض على ضحاياها سداد فواتير خدمات حكومية ومخالفات مرورية بنصف قيمتها. وكذلك طرق عصابة أخرى أعلن عن سقوطها، أمس، بعد أن استولت على ما قيمته 16مليون درهم بتزوير بطاقات ائتمانية وسرقة البيانات.
وقد كان من المهم تذكير الجمهور بأن الجهل بالقانون وتبعات التعامل مع النصابين والمحتالين لا يعفي من تحمل المسؤولية، وبالذات في مسائل تتعلق بسداد رسوم مستحقة للدولة، وغير ذلك من أمور يكون الضحية فيها على استعداد لوضع يده بيد مجرم لأجل الثراء السريع وبأساليب غير مشروعة.
الجريمة الإلكترونية أصبحت واقعاً في عالم بات يتوسع بقوة نحو التطبيقات الذكية والحلول الإلكترونية التي تعتمد على البيانات الشخصية، مما يستوجب أعلى درجات اليقظة فالأمر ليس مجرد بطاقة.
اكتب تعليقك