ربما لا يشغل كثيراً من الأوساط الحكومية والخاصة العاملة في شتى الميادين، موضوع مثل موضوع أمن المعلومات والجريمة الإلكترونية، نظراً لما يسببه هذا المصطلح في نفوس المشرفين والعاملين في هذه الشؤون، من هاجس الاختراقات واليد الافتراضية الممتدة على الأسرار، والحصون المهددة باستمرار من هواة الاحتيال أو التخريب أو التلاعب بالبيانات والأسرار.
هذا الهاجس يعد منطقياً جداً في ظل ما نسمعه ونراه يومياً من مئات الحوادث على مستوى العالم، أبطالها «هاكرز» وراء لوحات المفاتيح، أصابعهم طويلة جداً بحيث يصلون إلى أي مكان في الأرض من أي مكان مهما بعد أو نأى، فتظل المؤسسات والهيئات على اختلاف توجهاتها في سباق تحصين وملاحقة مع هذه الممارسات، ولعلها معركة محكوم عليها بالبقاء متجددة، ما دام ميدانها هو الفضاء الإلكتروني الرحب المفتوح على كل البشر.
والجريمة الإلكترونية أصبحت بلا شك واقعاً له الكثير من التداعيات غير المرغوبة، تبدأ من الضرر الاجتماعي المعنوي الشخصي، وما يخلفه من تدمير للثقة المجتمعية بين الأفراد، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتنتهي أحياناً بتهديد اقتصادات مؤسسات كبرى، أو حتى دول، أو التأثير في الاقتصاد العالمي، حتى نشأت هناك علاقة طردية بين التقدم العلمي في مجال الحاسب، والنمو المتزايد في معدل الجريمة الإلكترونية، نظراً لتضاعفها يوماً بعد يوم.
والمعروف أن الجرائم الإلكترونية تتنوع بين المادية، كالاستيلاء على ماكينات الصرف الآلي والبنوك، أو رسائل البريد الواردة من مصادر مجهولة بخصوص طلب المساهمة في تحرير الأموال من الخارج مع الوعد بنسبة من المبلغ، أو تلك التي توهم صاحب البريد الإلكتروني بفوزه بإحدى الجوائز، وتطالبه بإرسال رقم حسابه المصرفي، ونوع آخر له طابع ثقافي يقوم المجرم فيه بالاستيلاء على الحقوق الفكرية ونسبتها له من دون موافقة الضحية.. تضاف إلى ذلك الجرائم السياسية والاقتصادية والجنسية، عبر نشر أفكار التطرف والانحلال عبر الشبكة العنكبوتية.
ولا شك أن القفزات الحضارية التكنولوجية التي تعيشها الإمارات، أكدت الحاجة إلى وضع قوانين تلاحق جميع هذه الجرائم، وتضع سوراً آمناً أمام التلاعب بهذه الخصوصيات أو النيل من حقوق الآخرين المادية أو المعنوية.
فقد أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون اتحادي في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تضمن العديد من المواد التي من شأنها توفير الحماية القانونية لخصوصية ما يتم نشره وتداوله على الشبكة المعلوماتية.
كما أصدر سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، قراراً بشأن أمن المعلومات في حكومة دبي، يهدف إلى إيجاد وتطوير استراتيجية متكاملة وسياسة موحدة لأمن المعلومات وأنظمتها الخاصة بالحكومة المحلية في الإمارة.
ومن بين الجهود التي تصب في الاتجاه ذاته، المؤتمرات العالمية التي تستضيفها الإمارات باستمرار، وتجمع أقطاب ورموز الحماية الإلكترونية على مستوى العالم، لتبادل الأفكار ودراسة تطوير الآليات الكفيلة بتحقيق أعلى درجات الأمن الإلكتروني للمعلومات، ومنها مؤتمر ومعرض الخليج لأمن المعلومات المنتظر في دبي بين 3 و5 يونيو المقبل، والذي سيكون أكبر حدث مختصّ بأمن المعلومات في المنطقة.
لكننا مع ذلك لا بد أن نؤكد على جانب مهم يتعلق بهذا النوع من الجرائم، وهو الجانب التوعوي الذاتي، ورفع درجة الحرص الشخصي لدى تعاملنا مع شبكة الإنترنت أو الوسائل التقنية الحديثة، ذلك أنه لا بد من وجود درجة من الثقافة الأمنية الخاصة، تتكفل بالحد من وصول الطامعين إلى الكثير من الأسرار أو البيانات المهمة التي قد يضر استعمالها صاحب العلاقة ضرراً كبيراً، وهي لا تتطلب في كثير من الأحيان أكثر من عدم التساهل في وضع البيانات الدقيقة على الأجهزة، واستخدام كلمة سر أكثر تعقيداً، واستخدام برامج مكافحة الفيروسات، واستخدام التشفير لحماية الملفات الأكثر حساسية، وتجنب إجراء معاملات مالية مهمة عبر الشبكات العامة، لأنها سهلة الاختراق، وتوخي الحذر من إعلان الهوية الإلكترونية، وعدم إعطاء معلومات شخصية إلا للمواقع الموثوقة جداً.
اكتب تعليقك