يشكّل الاحتيال الإلكتروني أحد أوجه الجرائم المستحدثة التي انتشرت في الآونة الأخيرة في الدولة، وأصبحت تهدد كثيراً من أفراد المجتمع، خاصة بعد تزايد استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجالات الاتصالات والإدارة والأعمال المصرفية والمالية، وهي المعطيات التي تشكّل بيئة خصبة لعمل عصابات الإجرام الإلكتروني. أحدث هذه الجرائم هو ما كشفته إدارة المباحث الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي مؤخراً، لدى إلقائها القبض على عصابة احتيال إلكتروني، من جنسيات أفريقية وآسيوية، تخصصت في اختراق برامج وزرعها لكشف المعلومات الخاصة بالشركات وسلب أموالها داخل الدولة وخارجها، وضبطت بحوزتهم أوراقاً تجارية وشيكات مزوّرة بقيمة 6 مليارات درهم إماراتي.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف جرائم للاحتيال الإلكتروني بهذه الضخامة، والقبض على المتورّطين فيها، حيث سبق أن أحبطت شرطة أبوظبي بالتعاون مع “مصرف الإمارات المركزي” خلال عام 2010 أكثر من عملية احتيال على “المصرف المركزي”، كانت تستهدف سحب مليارات الدراهم من خلال تزوير بعض الأوراق والمستندات، ناهيك عن جرائم الاحتيال الإلكتروني الأخرى التي تستهدف سرقة الرمز البنكي أو الرقم السري لحسابات العملاء، وبيانات البطاقات الائتمانية لاستغلالها في أغراض إجرامية، وهي الجرائم التي تكلف الدولة مبالغ مالية كبيرة سنوياً، فوفقاً لتقرير “نورتون” حول أمن “الإنترنت”، الذي نشر في عام 2011، فإن الجريمة الإلكترونية تكلف الاقتصاد الإماراتي نحو 2.25 مليار درهم سنوياً، كما أظهر التقرير أن شخصين، على أقل تقدير، من القاطنين في دولة الإمارات يقعون ضحية أنشطة الجريمة الإلكترونية في الدقيقة الواحدة بفعل الفيروسات ورسائل التحايل الإلكترونية وهجمات تصيّد المعلومات السرية والمصرفية وغيرها.
وتظلّ دولة الإمارات من بين أكثر الدول التي يستهدفها الإجرام الإلكتروني في المنطقة، خاصة أنها تحتلّ الصدارة من حيث انتشار استخدام “الإنترنت”، وتوظيف التقنية الرقمية، ومستوى الجاهزية الإلكترونية، في إطار توجّهها نحو اقتصاد المعرفة وتفعيل الثقافة الرقمية، وتعميم التعاملات الإلكترونية في مختلف الوزارات والمؤسسات المختلفة من منطلق مواكبة ما يحدث في العالم المتقدم، كما أنها بحكم المكانة الاقتصادية البارزة التي تحتلّها اليوم ومناخ الانفتاح الاقتصادي الذي تتيحه، تعدّ أكثر عرضة من غيرها من دول المنطقة لهذا النوع من الإجرام الإلكتروني، ما يحتّم ضرورة مضاعفة الجهود الرسمية وغير الرسمية، لمواجهة مختلف مظاهر جرائم الاحتيال الإلكتروني.
ورغم تنوّع جرائم الاحتيال الإلكتروني التي تستهدف الأفراد والمؤسسات المالية والمصرفية، فإن دولة الإمارات استطاعت أن تتصدى لهذه النوعية من الجرائم بكل كفاءة، بفضل الاستراتيجية المتكاملة التي تتبنّاها في هذا الصدد، والتي تعتمد على تبنّي أحدث التقنيات للتطبيقات الإلكترونية واعتماد أحدث الآليات والحلول لأمن الشبكات في قواعدها المتكاملة، والعمل على تحسين قدرة أفراد المجتمع على استخدام الخدمات الإلكترونية عبر برنامج “المواطن الرقمي”، الذي يهدف إلى محو الأمية المعلوماتية لكل فئات المجتمع، هذا بالتوازي مع الجهود الفاعلة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والشرطية في الدولة، والتي تحرص على تطوير أدائها كي يأخذ في الاعتبار مواكبة مختلف التطورات التقنية والإلكترونية العالمية في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية، وعلم الأدلة الجنائية الإلكترونية، والعمل على إيجاد خبرات أمنية متخصصة في مواجهة مختلف أشكال الجرائم الإلكترونية، وتتبع مرتكبيها ورصدهم على وجه السرعة.
عن نشرة “أخبار الساعة” الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
اكتب تعليقك